بعد أن بدأت العمل في مبادرة "لا شرف في الجريمة " أصبح جزء كبير من معارفي يحيونني باستفهام ساخر: أكم حالة قتل بداعي الشرف عنا بالأردن سنويا ؟ أقول: تقريبا 15 ، فيرمونني سريعا باستفهام اكبر من الذي سبقه : طيب 15 لا تعتبر ظاهرة ! على شو عاملين حملة، و طنّة ورنّة !
اليوم كنت اجلس مع مجموعة كانت تناقش موضوع القتل بحجّة الشرف، وكما هو الحال دائماً ، وصلنا الى جزئية "اكم حالة عنا بالأردن؟" أجابت احدى الصحفيات ان النسبة ما بين 25 و 15 سنوياً ، فصاحت بها احدى المناضلات بمجال حقوق المرأة: هذا كان زمان هلأ صرنا اقل من 15 ! ليقاطعهما آخر: كيف أقل من 15 وبـ سنة 2009 وصلّنا 22 حالة ؟
أحيانا اشعر بأننا شعب "فُطحل" بالرياضيات ، حيث أننا نتعامل مع قضايانا الاجتماعية والسياسية والوطنية بناء على الأرقام فقط ، ونتغاضى بشكل كامل عما يختبئ خلف الأرقام من دلالات موجعة تستوجب الانتفاض قبل ان يتحول الوجع الى موكب دماء !
كل حالة قتل لأنثى بداعي الشرف تعني أن اسرة أردنية فقدت بنت "قتيلة" ، و فقدت ذكر"جاني"،" وتعني انّ الأخوة والأخوات في هذه الأسرة فقدوا معنى العائلة والأمان والثقة ،و أضافوا لقاموسهم لغة القتل كأداة حل سهلة لمشاكل مستقبلية !
أرشيف لا شرف في الجريمة يشير إلى وجود 17 حالة قتل لإناث ما بين التعنيف و حجة "العرض" خلال هذا العام الذي لم ينتهي بعد . ولكن ارشيفنا يعجز عن منحكم احصاءات بعدد الإناث اللواتي يضربن ليلاً ويستقظن في الصباح ليعددن فنجان القهوة لفحلهن الشريف .
كما أن أرشيفنا يعجز عن منحكم احصاءات بعدد الفتيات اللواتي يتنازلن يوميا عن حق عادي وأساسي تفادياً من أن يورطهن هذا الحق بتهمة تشويه سمعة العائلة !
أخذت الصورة بتاريخ 18\8\2010 |
و يعجز عن احصاء عدد النساء القابعات في السجون ودور الحماية لأنهن مهددات بالقتل ! و يعجز أيضاً عن احصاء عدد الذكور الذين يولدون على منطق : انت بطل،انت رجّال . وبالمقابل عدد الإناث اللواتي يولدن على منطق انت بنت، عيييب...
اذا أردتم أن تعرفوا الإحصاءات الحقيقية فلا تحصوا عدد الضحايا بل أحصوا عدد الخائفات .
و لا تبحثوا عن عدد الجناة الذين قتلوا بداعي الشرف، بل ابحثوا عن عدد الذكور المتأهبين والجاهزين لإراقة دماء قريباتهم إن تجرأن في يوم على الخروج من جلباب الأب والأخ وابن العم وما يحلم به عريس المستقل !
وإذا كانت حجتكم هي الأخلاق والرذيلة ، فلا تحصوا عدد من فقدن عذريتهن بلا اطار شرعي بل احصوا عدد الرّجال المغتصبين !
لا أستطيع تفهّم اصرار الإعلامين عند الحوار معنا على ذِكر أن نسبة جرائم -مفهومنا الخاطئ عن الشرف- في الأردن اقل من غيرها في بعض الدول العربية !
حقيقة، لا أجد جدوى من هذه الجملة أو حتى هدف !
ولا افهم ايضا لماذا يحشر البعض امريكا بالوسط ! وماذا يعنيني كمواطنة اردنية اذا كانت نسبة الجريمة في امريكا اضعاف نسبة الجريمة في الأردن ؟
بالله عليكم متى ننتهي من مهرجان الحمد والصمت و المقارنات الفارغة !
يا جماعة أنا أخجل من كل بنت تجلس في هذه اللحظات وعلامات الضرب تشوه جسدها وهي تستمع الى مهرجان" نسبة الجريمة المنخفضة" الذي نحتفل به !
أخجل الآن من أخت صديق لي ضربها زوجها حتى نزفت وتحدثت مع أهلها لتخبرهم ماحدث ليكون الرد: فش عنا بنات تطلّق. اذا اطلقتي خواتك بعنّسوا !
سأنهي حديثي عن هذا الموضوع بإطلاعكم على احدى اللحظات التي اندهشت خلالها أثناء ورشة قصيرة الإسبوع الماضي مع 16 طالبا من طلبة الصف التاسع- الذكور- في الأشرفية، حينما اجاب 12 طالبا منهم بالإيجاب على سؤال : هل تقوم بقتل اختك اذا شككت بأنها على علاقة مع شاب ؟ اثنان فقط أجابا بـ لا ، و واحد قال: اتأكد من صحة شكوكي قبل أن اقتلها ، والأخير قال: الحمدالله فش عندي خوات !
قد لا يتعرض أي من هؤلاء الشباب إلى ظرف يشّك فيه بأخلاق شقيقاته ، وبالتالي لن تسجل المحاكم ولا الصحافة حالة قتل جديدة بحجة الشرف، وسنحتفل أمام العالم بقلّة نسبة الجريمة في الأردن، في الوقت الذي يعشعش فيه منطق القتل بعقول أبنائنا مع وقف التنفيذ .