٩ تشرين الأول ٢٠١١

عدّاد الجرائم



بعد أن بدأت العمل في مبادرة "لا شرف في الجريمة " أصبح جزء كبير من معارفي يحيونني باستفهام ساخر: أكم حالة قتل بداعي الشرف عنا بالأردن سنويا ؟ أقول: تقريبا 15 ، فيرمونني سريعا باستفهام اكبر من الذي سبقه : طيب 15 لا تعتبر ظاهرة ! على شو عاملين حملة، و طنّة ورنّة  !

اليوم كنت اجلس مع مجموعة كانت تناقش موضوع القتل بحجّة الشرف، وكما هو الحال دائماً ، وصلنا الى جزئية "اكم حالة عنا بالأردن؟" أجابت احدى الصحفيات ان النسبة ما بين 25 و 15 سنوياً ، فصاحت بها احدى المناضلات بمجال حقوق المرأة: هذا كان زمان هلأ صرنا اقل من 15 ! ليقاطعهما آخر: كيف أقل من 15 وبـ سنة 2009 وصلّنا 22 حالة  ؟

أحيانا اشعر بأننا شعب "فُطحل" بالرياضيات ، حيث أننا  نتعامل مع قضايانا الاجتماعية والسياسية والوطنية بناء على الأرقام فقط ، ونتغاضى بشكل كامل عما يختبئ خلف الأرقام من دلالات موجعة تستوجب الانتفاض قبل ان يتحول  الوجع الى موكب دماء !

كل حالة قتل لأنثى بداعي الشرف تعني أن اسرة أردنية فقدت بنت "قتيلة" ، و فقدت ذكر"جاني"،" وتعني انّ الأخوة والأخوات في هذه الأسرة فقدوا معنى العائلة والأمان والثقة ،و أضافوا لقاموسهم لغة القتل كأداة حل سهلة لمشاكل مستقبلية !

أرشيف لا شرف في الجريمة يشير إلى وجود 17 حالة قتل لإناث ما بين التعنيف و حجة "العرض" خلال هذا العام الذي لم ينتهي بعد . ولكن ارشيفنا يعجز عن منحكم احصاءات بعدد الإناث اللواتي يضربن ليلاً ويستقظن في الصباح ليعددن فنجان القهوة لفحلهن الشريف .
كما أن أرشيفنا يعجز عن منحكم احصاءات بعدد الفتيات اللواتي يتنازلن يوميا عن حق عادي وأساسي تفادياً من أن يورطهن هذا الحق بتهمة تشويه سمعة العائلة !

أخذت الصورة بتاريخ 18\8\2010
و يعجز عن احصاء عدد النساء القابعات في السجون ودور الحماية لأنهن مهددات بالقتل !  و يعجز أيضاً عن احصاء عدد الذكور الذين يولدون على منطق : انت بطل،انت رجّال . وبالمقابل عدد الإناث اللواتي يولدن على منطق انت بنت، عيييب...

اذا أردتم أن تعرفوا الإحصاءات الحقيقية فلا تحصوا عدد الضحايا بل أحصوا عدد الخائفات .
و لا تبحثوا عن عدد الجناة الذين قتلوا بداعي الشرف، بل ابحثوا عن عدد الذكور المتأهبين والجاهزين لإراقة دماء قريباتهم إن تجرأن في يوم على الخروج من جلباب الأب والأخ وابن العم وما يحلم به عريس المستقل !

وإذا كانت حجتكم هي الأخلاق والرذيلة ، فلا تحصوا عدد من فقدن عذريتهن بلا اطار شرعي بل احصوا عدد الرّجال المغتصبين !

لا أستطيع تفهّم اصرار الإعلامين عند الحوار معنا على ذِكر أن نسبة جرائم  -مفهومنا الخاطئ عن الشرف- في الأردن اقل من غيرها في بعض الدول العربية !
حقيقة، لا أجد جدوى من هذه الجملة أو حتى هدف !

ولا افهم ايضا لماذا يحشر البعض امريكا بالوسط  ! وماذا يعنيني كمواطنة اردنية اذا كانت نسبة الجريمة في امريكا اضعاف نسبة الجريمة في الأردن ؟

بالله عليكم متى ننتهي من مهرجان الحمد والصمت و المقارنات الفارغة !

يا جماعة أنا أخجل من كل بنت تجلس في هذه اللحظات وعلامات الضرب تشوه جسدها وهي تستمع الى مهرجان" نسبة الجريمة المنخفضة" الذي نحتفل به !
أخجل الآن من أخت صديق لي ضربها زوجها حتى نزفت وتحدثت مع أهلها لتخبرهم ماحدث ليكون الرد: فش عنا بنات تطلّق. اذا اطلقتي خواتك بعنّسوا !

سأنهي حديثي عن هذا الموضوع بإطلاعكم على احدى اللحظات التي اندهشت خلالها أثناء ورشة قصيرة الإسبوع الماضي مع 16 طالبا من طلبة الصف التاسع- الذكور- في الأشرفية، حينما اجاب 12 طالبا منهم بالإيجاب على سؤال : هل تقوم بقتل اختك اذا شككت بأنها على علاقة مع شاب ؟  اثنان فقط أجابا بـ لا ، و واحد قال: اتأكد من صحة شكوكي قبل أن اقتلها ، والأخير قال: الحمدالله فش عندي خوات !

قد لا يتعرض أي من هؤلاء الشباب إلى ظرف يشّك  فيه بأخلاق شقيقاته  ، وبالتالي لن تسجل المحاكم ولا الصحافة حالة قتل جديدة بحجة الشرف،  وسنحتفل أمام العالم بقلّة نسبة الجريمة في الأردن، في الوقت الذي يعشعش فيه منطق القتل بعقول أبنائنا مع وقف التنفيذ .


٢٠ أيلول ٢٠١١

عفواً أيّها القانون

"كل شخص أقدم على اغتصاب فتاة لم تتم الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالإعدام".
"وتكون العقوبة بالأشغال الشاقة عشرين سنة إذا كانت المجني عليها قد أكملت الخامسة عشرة ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها" .

هدا حكي القانون ، بس بتكون غلطان أذا قلبت الصفحة هاي من قانون العقوبات الأردني بدون ما تطلع على مادة ثانية بتقول: إذا عُقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل (اغتصابـ،هتك عرض،إغواء..)وبين المعتدي عليها أوقفت الملاحقة. وإذا كان صدر حكم بالقضية علق تنفيذ الحكم على المحكوم عليه.

يعني بالمشرمحي ، إذا واحد اغتصب بنت عمرها اقل من 15 ،المفروض بالقانون عقوبته هي الإعدام ، بس كمان بالقانون بقدر المغتصب انه يتزوج اللي اغتصبها و هيك بتسقط عنه العقوبة . وبلمح البصر ببطل مجرم .


"من واقع أنثى (غير زوجته) بغير رضاها سواء بالإكراه أو التهديد أو بالحيلة أو الخداع عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمسة عشرة سنة" .

هدا بقانون العقوبات ، بس كمان بالقانون إذا اللّي هدد وضرب واحتال وخدع واغتصب أنثى فوق إل 18 سنة، اتزوجها، فكمان هيك ببطل مجرم وبصير عريس !

 " الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في  الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو  الدين." هدا بالقانون بس كمان بالقانون"  أولاد الأردني، أردنيون أينما ولدوا ". أولاد الأردنية المتزوجة من أجنبي مش اردنين أينما ولدوا !  

يعني بالمشرمحي: إنتي مواطنة أردنية على العين والراس بس ولادك هم ضيوف عليكي وعلى وطنك وما تضايقي كتير إذا انحرموا من أكم حق ، واحمدي الله كل صبح ومسا لأنه وطنك آواهم .

وكمان شغلة : بالله عليكي تستفيدي من الدرس و اتوعي الأردنيات انه قبل ما يسألوا عن اسم العريس والحبيب ياخدو شهيق و زفير  و يسألوا المضروب على قلبه بالأول : شو جنسيتك !

٢٠ آب ٢٠١١

ع هدير البوسطة بالنكهة الأردنية



علّمتني الكاميرا اني ألاحق التفاصيل الصغيرةوالهمسات وأفتش ع دلالات أعمق .
هاي هون مثلاً في عيون هربانة من ريحة الدخان وسارحة بالشباك .
وهناك في دنين بتحاول تلاحق حكي تنين واحد منهم 

بقول: إحنا أمنين على عمان اكتر من أمانة عمان اللي بتحاول تمكيج المدينة وتحولها 
لمكان بشبه السياح اكتر ما بشبهنا !

أمّا اللي قاعد جنبه فعم بهز برأسه كأنه موافق, أو يمكن زهقان , أو لآ , لآ 
 كأنه خايف انه فلسفة صاحبه تورطهم بدعوة على فنجان قهوة مرّة !


وراهم قاعد  واحد بتفكره صنم , فش اشي فيه بتحرك

بس اذا نزلت عينك معي شوي شوي راح تكتشف انه عم بهزاجره فوق وتحت دلالة على انه الأخ طربان من إصبع اجره الكبير .


بحب أروح واجي بباص المؤسسة لأنه دايما بمنحني فرصة 

على انه أكون غير مرئية وبذات الوقت اقدر أراقب الناس والقط الأحاديث والمشاهد 
وأحولها لصورة بتحكي .

بس ولا مرة كنت أتوقع انه في يوم من الأيام راح أكون انا نفسي المشهد الأهم ل 26 راكب
 مدحوشين بباص سعته 21 , وشوفيره لسا مصر انه يوقف كمان لهدا الختيار ويطلعه بالباص .


بهاي الحالة بتصير قادر تقرأ من وجوه الركاب وحركاتهم انه ولا حدا منهم مستعد يستغني عن كرسيه 

_ والله ما انا قايم مادفعتش 30 قرش عشان اوقف...

_منيح اني قعدت على اليمين جنب الشباك ...

_ختيار مكحكح شو طلعك من البيت !

_يقطع عمر الشوفارية اذا بزوقوا على دمهم


الغريب إنه الاستنتاجات هاي اغلبها طالعة من وجوه 

شباب مش بنات

وجوه البنات مرتاحة , قاعدين بثقة بنت عارفة إنها اذا طلعت عالباص معناتو أكيد راح تقعد,لأنه مهما كان في ركاب أكيد أكيد في شب راح يوقف ويقعدها مكانو ...


مهو. . .  وراء كل مقعد مريح حصلت عليه امرأة، في رجل جنتل 

كريم منح المقعد لهاي الإمرة !

والحالة الوحيدة المهددة بخسارة الأنثى للمقعد بتكون بأنه أنثى ثانية تطلع عالباص وتشاركها بجزء من هدا المقعد .


أخدني شوية وقت لحد ما قلّبت أكم سؤال براسي وبعدين اخدت القرار باني أعطي مكاني للختيار


_تفضل عمّو


هدول الكلمتين بخلال ثانية قلبو الباص لسوق خضرة، تنين قامو من مكانهم عشان يقعدوني, و لما قلت لواحد منهم  :لآ شكرا ،مشواري قصير

رد علي وقلي لأ لأ ما بصير اقعدي محلي .


حسيت كل العيون مسمرة علي تمتمات هون وهناك ,الشفير وطّى صوت الراديو ..

وحدة من الركاب مالت عللي جنبها وكأني سمعتها بتقلها 

: ما اغباها هاي وين مفكرة حالها !


مش مهم شو عم ينحكى وراي, المهم انه ليه هالقد ترددت لحتى اخدت القرار أنه أوقّف !

 أكم سؤال سألت حالي قبل ما أقوم , ويا ترى قديه بياخد النساء وقت لحتى ياخدو قرار عادي وصغير بحياتهم !


 دقيقة,يوم,سنة,عمر!


طيب ما لما فات الزلمة عالباص ولا حدا منكم تحرك ، ماكنش بعنيكم أبدا تقعدوا زلمة كبير مكانكم

ليه لما وقفت بنت تحركت النخوة فيكم !


لأنه وقفت البنت عيب!


ولا لأنه البنت حراااام بتتحملش توقف!!


ولا لأنه جسدها ملفت وهي واقفة وقعدتها درء للمفاسد 

والنزوات !!

هيني وصلت عند جسر الدستور بس  بدي اقلكم :


أنا مش عيب , إنتو العيب ! 




***



ملاحظة : 

اذا اردتم الدخول بجو القصة بالنكهة الفيروزية, اضغطوا على الرابط التالي


٣٠ تشرين الأول ٢٠١٠

عزاء ديمقراطي

مازالت حكومة سمير الرّفاعي
تُمارس هوايتها في التهميش و ( التطنيش) , ومازالت تُضيف نقطة وفتحة على حرف العين
لكلمة ( شَعْب) لتحوّلها أمام وسائل الإعلام إلى ( شَغب). اذ انّه كلما ظهرت حركة
شعبية مُعارضة لأي قانون ظالم أو أي تعدّي على الحريات ,يدير سمير الرفاعي ظهره لها
قائلاُ: "هذه ليست سوى نُخب تُحّب الشغب السياسي".

بالرغم من أنّ المعارضة ليست
نخبة شغب, بل نخبة شعب يكره أن يتم اغتيال شبابه ووعيه وحرّيته تحت ستار الوطنية
والمواطنة الحقة.

شعبٌ انبثقت جذوره من أرض
أردنية قامت فيما مضى على أسس فكرية وقومية ووطنية.

 شعب يحّنُ في عام ال 2010 إلى
عام 1989 وإلى مجلسه الذي قام وقتها على أساس رجال مسيّسون ومثقفون ومُحمّلون بالهم
الوطني والشعبي. لا كالمجالس التي شُكلّت من بعده على اساس الصوت الواحد, والمحكومة
بطبيعة الحال بمنطق يُقزّم هوية الأردني وذكاؤه, ويحشره في إطار صورة رجعية لاتشبه
ثقافة الشعب ولا وعيه!

 إطارٌ قائم على منطق " أنا
لإبن عشيرتي وبن عشيرتي إلي".


شعب تحمّل تقلبات مزاج الحكومة في سياسة سد العجر في
موازنة الدولة, وتحمّل نوبات غضبها على حريات التعبير وعلى جيب المواطن, و وقف تحت
خط الفقر وتحت سقف ضريبي وصل الى 16% تؤخذ من حوالي 100 منفذ ويدفعها المواطن من
دخله.


شعب عاش 341 يوما بدون سلطة تشرّيعية ومرّر خلالهم 
39 قانونا مؤقت بسلام .



 تحملنا كل هذا على أمل حدوث
تغير جوهري في قانون الإنتخاب ليولد منه حكومة ترقى إلى هم وتطلّعات الشعب الأردني
وترتق الترهلات التي أحدثتها حكومات ال 21 سنة السابقة في أدمغتنا وهويتنا وجيوبنا.

ولكن للأسف تلّقى شعبنا خيبة
أمل جديدة لا تحمل في طيّاتها سوى اجراء عملية تجميل بسيطة على قانون الصوت الواحد
بدون تغيره , عملية تجميل قائمة على استنساخ داوئر وهمية شوهّت أكثر وأكثر وجه هذا
القانون المشوّه اصلا .

وبهذا يتململ الشعب أمام هذه
الخيبة الأخيرة على طريقة أم كلثوم صارخا: " أنا فاض فيّا وملّيت", ويتوّجه لخيار
مقاطعة الإنتخابات كمحاولة اخيرة منه للفت نظر الحكومة .

 ولكن طالما أنه لاحياة لمن
تنادي وطالما أن العرس الإنتخابي النزيه والشفّاف قائم رغم المعارضة فلم يتبقّى في
جعبتنا الاّ أن نطلب من حكومة سمير الرفاعي أن يوّسع جلباب ديمقراطيته قليلا ويأذن
لنا بشغبٍ واحدٍ وأخير نتغيّب خلاله عن يوم (العرس) لا لشئ ولكن لأننا سنكون
مشغولون بفتح بيت عزاء ديمقراطي نستقبل فيه جموع المُعزّيين الغير قادرين على
احتمال رؤية حرّيتهم تستباح على ورقة الصوت الواحد وفي ممرات الدوائر الوهمية .

 ريم ناهي